هذه هي المقدمة وسوف نوافيكم بتتمة البحث إن شاء الله
مقدمة:
الحمد لله الذي اختار من خلقه الأنبياء، وجعل
من ورثتهم العلماء والفقهاء، فاحتاجهم العامة والخاصة في أمور دنياهم وآخرتهم،
واختصهم الأمراء والقضاة وجعلوهم أهل مشاورتهم، وأمر سبحانه بطاعتهم، والامتثال
لما توصلوا إليه من أحكام في اجتهاداتهم. فقال تعالى: ) يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول
وأولي الأمر منكم ( سورة النساء آية58
وبعد:
فإن الشورى من أجل وأخطر ما تعاملت به الإنسانية، إن على المستوى الأسري أو
المحيطي أو المجتمعي أو الرسمي، ولهذه المنزلة التي تحتلها فقد اهتم بها الوحي
الإلهي، وندب إليها في كتبه، واعتنى بها رسوله الكريم e ومارسها في أصحابه، وطبقها من
علم قيمتها. واهتدى بنبيه ومن تلاه من خلفائه.
وبحكم سنة الله في خلقه، في تطور البشرية جيلا بعد جيل، واحتياجها مع
هذا التطور إلى نظام حكم يتطور ويتجدد حتى يلائم ويواكب عصر كل من هذه الأجيال،
فقد تطور نظام الشورى أيضا، من حالة غير منظمة، بحيث الشورى في بداية الأمر لا
تعرف نوعا من الاختصاص، ولا الرسمية، وإنما كان الحاكم أو الخليفة يستشير أهل
الفضل والخبرة في كل ما يحتاج إليه من أمور سياسته، من غير أن يكون المستشار
مألوفة استشارته، ومعروفا بها بين الخاصة والعامة من أهل الدولة، ولكن – كما أشرت-
إلى التطور الحاصل في مجال الحكم على الخصوص، تدرجت الشورى في الارتقاء وإلى أن
صارت منصبا رسميا معترفا به من طرف الدولة، وله رسومه ومراسيمه، وذلك منذ انطلاقة
عهد بني أمية بالأندلس. فإن بني أمية – وانطلاقا من تجربتهم في نظام الحكم بالمشرق
– أعطوا للشورى اهتماما بالغا، وجعلوا أساسا في الحكم خصوصا في باب القضاء. ولعل
ما سهل الأمر عليهم في نظام الحكم هذا، في رأيي هو وحدة المذهب الفقهي للدولة، فإن
وحدة المذهب تسهل أمر المشاورة إن على مستوى التنظير أو التطبيق.
إن نظام الحكم هذا " الشورى" ساهم
بشكل كبير في إبراز علماء وفقهاء كثر، وكان بمثابة بطاقة اعتراف بمنزلة العالم
الفقيه، وببلوغه مرتبة الاجتهاد. ولهذا نجد في كتب التراجم ( خصوصا تراجم فقهاء
المغرب العربي والأندلس) لا تغفل الإشارة إلى هذا المنصب عند تعريف المترجم
للعالم، وذكر مناقبه ومرتبته العلمية. فنجدهم يعبرون عن ذلك بألفاظ متعددة
ك"مشاور" أو "شوور في الأحكام" أو "صدرا في الشورى"
أو " رئيس المفتين" إلى غير ذلك من الألقاب التي أطلقوها عليهم في هذا
المجال. إلا أنه ورغم أهمية هذا المنصب وهذه الألقاب لم أجد – فيما أعلم – وفيما
سمعت من أستاذي المشرف الدكتور مصطفى الصمدي – من أفرد تصنيفا ترجم فيه لهذه الثلة
الخيرة والنخبة المباركة من علمائنا، وحتى عندما يشار إليهم ضمن كتب التراجم وإلى
خطة الشورى كذلك تكون الإشارة عرضا، مما قد يوحي للطالب بأن هذا المنصب إنما هو من
المناصب العادية، ومن التجارب السياسية التي قامت بها بعض دول الإسلام وكفى. فهذا
ما دفني – خصوصا أني كنت أحمل نفس الفكرة عن هذا المنصب- إلى اختيار هذا الموضوع،
واستجابة أيضا للإلحاح شيخي وأستاذي الدكتور الصمدي، على الكتابة فيه في محاضراته.
رغم قصر الباع، وقلة الإطلاع، وندرة الزاد، لكن بتوفيق من الله تعالى، وبتوجيهات وإرشادات
أستاذي، أرجو أن أنال المراد، وأن أوفق إلى طريق السداد.
موضوع البحث:
إن بحثي هذا أعد بمثابة بداية وانطلاقة في التعريف بأهل الشورى من فقهاء
المغرب والأندلس، ولهذا اقتصرت فيه على كتابين، أراهما من أهم الكتب التي ترجمت
لفقهاء وهما كتاب تاريخ علماء الأندلس
لابن الفرضي وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض.
ولقد قصرت اهتمامي على الفقهاء المشاورين،
ببلدان المغرب العربي والأندلس من خلال هذين الكتابين، معتمدة في ذلك – ومقتصرة –
على لفظة "شورى" واشتقاقاتها، فقط، وذلك بتوجيه من أستاذي الفاضل
المشرف، وحتى لا يقع لي خلط بين المشاور والنوازلي، لأن الفرز والفصل بينهما يحتاج
إلى وقت طويل، ونفس بالغ، وعلم واسع.
وقد اخترت لبحثي هذا عنوان: \ روضة الأنس
فيمن كان مشاورا بإفريقية والمغرب والأندلسj والله أسأل التوفيق والرشاد .
منهجي في
البحث:
لقد قسمت بحثي هذا إلى فصلين، خصصت الفصل الأول للحديث عن الشورى وتاريخها
والفقهاء المشاورين وما يتعلق بذلك من تعاريف وأحكام، ورغم أن البحث مخصص للتراجم،
إلا أنني أحببت أن أمهد له بهذا الفصل، تتميما للفائدة، ووضعا للقارئ أمام الصورة.
وقد جاء الفصل الأول مشتملا على مبحثين . المبحث الأول يتضمن مطلبين، أولهما تحديد
مصطلح الفقهاء المشاورين لغة واصطلاحا، ثم مطلب ثاني أعطيت فيه نبذة عن تاريخ
الشورى مقتصرة على نموذج من قبل الإسلام ممثل في "ملكة سبأ" ونموذجا في
بداية الإسلام مع سيدنا محمد e ثم انتقلت
مباشرة للتحدث عن الشورى في عهد بني أمية بالأندلس ،وذكرت المراحل التي مرت بها
حتى أصبح منصب الفقيه المشاور منصبا رسميا ممثلا في خطة الشورى كهيئة مستقلة
بنفسها. أما المبحث الثاني فعني بالشورى كمنصب رسمي بالأندلس ويتضمن تحته أربع مطالب، المطلب الأول يتحدث عن
سبب اتخاذ الفقيه المشاور، وكذلك من له صلاحية اتخاذه، المطلب الثاني يشتمل على
الشروط اللازم توفرها في الفقيه المشاور، والمطلب الثالث خصصته للقضاء والشورى،
أما المطلب الرابع فيحتوي على نماذج لأقضية مشاور فيها.
أما الفصل الثاني فقد خصصته لترجمة صاحبي
الكتابين موضوعي الدراسة والبحث، والتعريف بكتابيهما ( المبحث الأول ). ثم انتقلت
إلى سرد الفقهاء المشاورين مع ذكر شيء من تراجمهم، على سبيل الاختصار من غير تطويل
ممل ولا تقصير مخل، على شكل بطاقة تقنية تعريفية لكل عالم، مرتبة أسماءهم على حروف
المعجم بالترتيب المعهود لتسهيل البحث عنهم. والبطاقة تشمل ما يلي: الاسم : ويحتوي
على الاسم الكامل وذكر الاسم المشهور به وكنيته إن وجدا، ثم نسبته ، ثم ذكر تاريخ
ولادته ووفاته إن عثرت عليهما، وفي الأخير منزلته العلمية ،وهذه الأخيرة تشتمل على
من سمع، ومن أخذ عنهم، وبمن تفقه وعمن روى، ومن سمع منه، ومن أخذ عنه، و روى عنه
وغير ذلك.
وهذه
البطاقة قد استوحيتها من بعض كتب التراجم مثل " قضاة قرطبة وعلماء إفريقية"
للمؤرخ الأديب والمحدث الفقيه محمد بن الحارث بن أسد الخشني (المتوفى سنة 361 هـ)
.
أما بالنسبة للمراجع التي اعتمدتها في هذا
البحث فإنها تشتمل على كتب التاريخ، وكتب حضارة الأندلس ،وكتب التراجم ،وبعض كتب
النوازل، وأيضا الكتب التي تعتني بالشورى، وغيرها من الكتب الأخرى .ولا يفوتني في
الأخير أن أتقدم بجزيل الشكر إلى كل من ساعدني في إنجاز هذا البحث، وعلى رأسهم
أستاذي الفاضل الدكتور مصطفى الصمدي، أثابه الله على توجيهه وتشجيعه، والشكر موصول
لمن سيتفضل بمراجعته ومناقشته، والحمد لله أولا وآخرا و باطنا وظاهرا.
1 التعليقات:
على الأقل تقديم مقتطفات من البحث من أجل التعرف عليه أكثر
إرسال تعليق