تابعنا على مواقع التواصل

محرك البحث

Loading

تعديل

الخليق في تدريس المتون في العتيق من إعداد العلامة الفقيه امحمد الدمسيري

بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
بحث تربوي تحت عنوان:
                الخليق في تدريس المتون في العتيق
 المقدمة:  
تدريس المتون في التعليم العتيق ليس بالأمر السهل على الإطلاق, لمن يريد التدقيق في التدريس وضبط المعنى وصونه من التحريف والخلط, ومن قلب الحقائق وتشتيت ذهن الطلبة. وهذه المتون تتفاوت في الصعوبة بتفاوت ميادينها وطرق تصنيفها والتفنن في كيفية أسلوبها وتنوع مناهجها. فمن هذه المصنفات المختصرات, كما هو معلوم,  فهي أكثرها تعقيدا وصعوبة في الفهم لمن لم يكن في مادتها متمكنا. وذلك لما فيها من الحذف للإيجاز والاختصار. حيث ينبغي ذكر ما حذف اختصار, وما ترك اقتصارا حالة الشرح. وزيادة البيان وتوضيح الغامض والمبالغة في ضرب الأمثلة الموضحة. ومن هذه المختصرات المنثور و المنظوم. وكل منهما يحتاج إلى كيفية من الكيفيات في التحصيل حالة التحضير والإلقاء ومشاركة الطلبة والسرد. أذكر منها ما هو مألوف عندنا وما جربته وكان مفيدا والحمد لله. وقد يكون ما عليه بعض المدرسين الآخرين أولى.لأن حالة تدريس الطلبة تختلف باختلاف الجهات واللهجات وبعض المألوفات.         
 أقول مستعينا بالله تعالى, مبتدئا بكيفية تحضير الدرس ( أي الحصة التي تقرر تدريسها). ثم طريقة التدريس. ثم كيفية تعامل طلبة التعليم العتيق مع الدراسة. مما يرفع من مستواها ويثمن عطاءها ويزيد من تحصيل معلوماتها.                               
    الطريقة المعهودة عند تهيئ الدرس:                                  
   أولا إحضار الكتاب المقرر والكتب المساعدة. يأخذ منها الجزء الذي يحتوي على الحصص التي ستدرس ويضع علامة على موضع الحصة, كي لا يضيع الوقت خصوصا عندما يكون مستعجلا. ويضع بجانبه بعض كتب اللغة, وان يختار المكان الهادئ البعيد عن الهرج والضوضاء. وأن يفرغ ذهنه إن استطاع عما يشغله عن التحصيل. فبعد هذا يبدأ بقراءة المتن مرات بتمعن وتدبر في المعنى والضبط. وحصر صوره وإحصائها إن أمكن. فإن كان حافظا للمتن, سواء نثرا أو نظما, يكون الأمر عنده أسهل. فلا يحتاج إلى تكرار قراءة المتن. بعد هذا يأخذ الشرح فيقرؤه بتمعن وتفحص واستحضار الذهن من غير صوت. ويقارن بين ما فهمه من المتن وما شرح به المتن. ويكرر في الشرح ما تعسر عليه فهمه إن تعسر. ويستعن فيما استشكل بالمراجع وكتب اللغة. وأحيانا باستشارة أرباب الميدان. ويقرا الشرح هكذا مرارا على سرعة إدراكه أو بطئه. وإذا كان للشرح حاشية فعليه أن يطلع عليها. قد يجد فيها زيادة و توضيحا أو اعتراضا. وبعد ذلك يرجع إلى المتن ويقرؤه بتأمل, وخصوصا في ما لم يفهمه قبل أن يطلع على الشرح. فإذا بقي في المسألة غموض أو إشكال فليرجع إلى الشرح, وإلى المراجع المساعدة وإلى كتب اللغة لشرح بعض الكلمات الغامضة. يأخذ في شرحها ما يتناسب مع الجملة التي فيها الكلمة. ثم يرجع إلى المتن بتأمل, فإذا زال الإشكال واتضح معنى المتن وأنجال عنه الغموض وانكشفت حقائقه, فيقرأ الشرح بصوت, كي يتحقق من شكل وضبط كلماته. فعند ذلك له أن يقسمه إلى محاور, ثم إلى مسائل تندرج تحتها ليسهل التواصل بينه وبين طلابه حالة التدريس. فالمدرس بعد هذا الاستعداد الجيد والجهد الطيب النافع له ولطلابه يأتي إلى القسم في أول الوقت المحدد له, آخذا الكتاب المقرر زيادة على الأشياء الأخرى الملازمة لإلقاء الدرس. فيبتدئ بكتابة الدرس على السبورة الحائطية هو أو أحد الطلبة أو تكون الكتابة مناوبة ليتدرب الطلبة على الكتابة عليها. ثم قراءة المتن قراءة جيدة فرادى وجماعة وإذا سمع الأستاذ خطأ يصححه. ثم يسألهم عن المكتسبات الماضية. بعد ذلك يسألهم عن الإعداد القبلي. ثم إزالة الإشكال بشرح المفردات الغامضة. يترك الشرح لطلابه فإذا عجزوا, بين ذلك ووضحه لهم, ثم يبتدئ في التحليل ثم البيان بضرب الأمثلة وتبسيط العبارات التي تقرب المعنى البعيد. حيث يتضح المقال ويزول الإشكال, ويكون الكلام بعضه مرتبطا ببعض فصيح الإلقاء. يعجم ما هو معجم, ويهمل ما هو مهمل. فتعطى الكلمات حقها من مد ما هو ممدود, وقصر ما هو مقصور. ثم مما هو معلوم أن المتن نص وكل من يتعامل مع نص فإنه يحتاج لعملية تحليل النص. فيقسمه إلى أجزائه من عناصر أو صفات أو خصائص. ثم دراستها واحدا واحدا مع بيان العلاقة بينها وبين غيرها. ويقف المدرس عند المصطلحات الخاصة والعامة. أعني بالخاصة, الخاصة بهذا المتن وشرحه. والعامة التي هي عامة في المادة كمادة الفقه أو الأصول أو النحو وما أشبه ذلك. وهذه المصطلحات كالمفاتح لما وضعت له. والتحليل هو تفكيك لما هو مجمل في المتن. من أجل أن يفهم فهما حقيقيا. فيرد إليه ما حذف منه وخصوصا الأشياء التي يشوبها الغموض. والتحليل يعد خطوة مهمة فعلى إثرها يستطيع القارئ الوصول إلى ربط النص في المتن بواقعه التطبيقي. وهذا هو بعض ما يعمله شراح المتون. وقد يضيفون إلى ذلك طرقا فنية في اكتساب المعارف وتقنيات علمية في تفكيك المحتوى. كي يصبح الطالب قادرا على التحليل والمناقشة والتعليق والتلخيص والاستنتاج. وهذا من أهم ما يطلب في دراسة المتون مع البيان الذي يقرب المادة العلمية أكثر, ذلك باستخدام أمثلة خصوصا إذا كانت من الواقع أو تفترض وتقدر كأنها منه. وفي الفقه يأتي بنماذج من النوازل والوقائع المعيشية. وأن تكون قريبة من واقع المتعلمين. وان يعتمد الطريق الاستقرائية. وان يكرر لهم القواعد والضوابط مرة بعد أخرى كي تقع على المعلومة. لأن ذلك أفضل من تقديم القاعدة مجرة.                                                    

طريقة التدريس                                              
طريقة التدريس عندنا والتي يساعد عليها الحفظ, فيحفظ ما هو أولى وأحرى. ولذلك قيل: العلم أكثر من أن يحفظ, والعاقل يأخذ منه زهرته. والنبيل يكتب خير ما يسمع ويحفظ أحسن ما يكتب, ويحدث بأحسن ما يحفظ. والعالم لا يكون عالما بدون حفظ المتون. وقال أحد العلماء من حفظ المتون حاز الفنون. وقال بعضهم فأحفظ فكل حافظ إمام. ويقال العلم ذهب به الحفاظ. ويجمل ويكمل إذا حفظ مع المتن دليلا آخر زائدا على أعظم دليل الذي هو كتاب الله تعالى. هذا مما يتأكد على المدرس أن يحث عليه طلابه. وأن يأمرهم بمراجعة ما حفظوا بعد قراءة وردهم القرآني. ومراجعتها زيادة لرسوخها واستقرارها في الذهن. فتكون أظهر في الاستحضار وأسرع في الاستدلال واقرب عند السؤال. ومما هو متعاد عندنا البدء بحفظ كتاب الله تعالى. ونعم الطريقة هذه وخصوصا إذا جمع مع حفظ القرآن الكريم حفظ بعض المتون التي تتعلق بعلومه وأحكامه الخاصة به. وبعده شيء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتمرن على التدريس بإعداد أحدهم الدرس وتنوع التمارين. و مناوبتهم على التمارين. وأن يستخدموا أساليب متنوعة ومتعددة. ثم التمرن على كتابة الكلمات في المناسبة, نثرا ونظما والتمرن على الخطابة والوعظ والإرشاد. وغير ذلك مما ينمي مهارة الطالب. ويتخلل هذا بعض الأنشطة المروحة على النفس, خصوصا ما يتلاءم مع المجال من مسابقات فقهية ونحوية وبلاغية. ومن أي ثقافة ملائمة لهذا المجال. إن أمكنهم إنشاء بعض الأشياء للتوعية والإجابة كتابة عن بعض الأسئلة المفترضة. وأن يفتح المجال للطلبة في التعرف على غيرهم من أمثالهم ومن غير أمثالهم.  شريطة أن لا ينجروا إلى أمر قبيح من انحراف أو يؤدي إلى تقهقر أو تدهور في الدراسة. مع إلزامهم حضور الدرس مع ما يتعلق به قبل وبعد. ومع تجنب ما من شأنه أن يخل بالنظام العام والخاص داخل المدرسة وخارجها, من احترام الفقهاء و الاساتذة والمسيرين والضيوف والجيران. لأن هذا مما يجعل الجو جميلا والارتياح عاليا فيساعد على إيجاد مناخ الدراسة. فيقع التحصيل وينال المطلوب. وما أحسن أن تختم الدورات والمناسبات بالندوات والمحاضرات والقصائد الشعرية والكلمات النثرية. ومن كل ما من شأنه أن يسمو بثقافة الطالب. ويرفع من شأن تحصيله للعلم والأدب والأخلاق الفاضلة. وارجع الى ما يختم به الدرس وهو سرد الشرح المقرر بطريقة جيدة. يترك الملاحظات النحوية والتصريفية وغيرها للطلبة أولا. ثم يعلق على ذلك ثانيا تقريرا أو تصويبا. هكذا إلى أن يختم بالختام الشرعي كما بدأ به.                                                                
  فأعتذر لأهل البحث الثقافي عما يقع من خطأ أو زلل أو سوء تعبير في هذه السطور التي كتبتها. وجلها وأكثرها من غير أن أرجع إلى مرجع من أجل الاستعانة به عليها. وإنما من خلال تجربتي في هذا الميدان التي تجاوزت ثلاثين سنة في تعليم وتدريس أولاد المسلمين المواد الشرعية وقواد اللغة العربية. ولأنني لست من خريج معاهد البحوث العلمية وإنما تخرجت من هذه المدارس العتيقة قبل تنظيمها وخصوصا أن كتابتي لهذه السطور كانت على عجل لقلة الفراغ.           
 و الله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب وهو حسبي ونعم الوكيل. وأسأله أن يجعل سائر أعمالنا وأقوالنا خالصة لوجهه الكريم. وأن يجنبنا الرياء والسمعة وحب الشهرة والثناء, إنه سميع قريب وبالإجابة جدير. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آلله وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين آمين والحمد لله رب العالمين.                                                    
  من إعداد عبد ربه الضعيف امحمد بن إبراهيم الدمسيري المرشد التربوي للمواد الشرعية والنحو والصرف والبلاغة, والمدرس للمواد الشرعية حاليا بمدرسة زاوية ابن حميدة بإقليم الصويرة.                       .                                   

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More